ألقى جسمه المتهالك على فراشه في نزل " تاكفاريناس" الكائن وسط المدينة العتيقة. كانت لديه رغبة جامحة في النّوم و الرّاحة، إلاّ أنّ هواجسه و أفكاره الغريبة كانت تمنعه دائما من متعة النّوم حتّى في حالات الإرهاق الشّديد.
كلّ غرف النّزل كانت متشابهة، إلاّ أنّ الغرفة 17 كانت هي المحبّبة إلى نفسه ، ظنّا منه أنّ رقم 17 كاد أن يغيّر مصيره و مصير جهته ووطنه، لولا تعرّض الثّورة لعمليّات تحويل وجهة متنوّعة و اغتصابات متواترة و عنيفة.
كان يشعر بالمرارة التي شعر بها حنّبعل و يوغرطة و تاكفاريناس و محمّد علي الحامّي و كلّ الثوّارالذين تعرّضوا للخديعة و الخيانة و الغدر.
قام من فراشه ، و أشعل سيجارة علّها تخلّصه من هواجسه التي باتت تسيطر على كيانه المحطّم.
أصبحت الهواجس لا تغادره منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التي اعترف العالم الغربي بنزاهتها، و التي شهدت بعد الفرز الدّقيق و الشفّاف للأصوات سقوط شعارات الثّورة و دوسها بالأقدام الملوّثة للمتاجرين بعقائد و أحلام البؤساء و المهمّشين.
Genre: LITERARY COLLECTIONS / Essays
أيّها القارئ العزيز، رواية " هواجس" التي أقترحها عليك،ستنقلك إلى عالم جديد . سوف تعيش مع شخصيّة شادي المهمّش الذي كانت أحلامه لا تعرف حدودا. رغم أنّ حجم القصّة صغير فإنّ بها معاني ثريّة و عميقة. و أنا بطبعي لا أحبّذ الرّوايات ذات الحجم الكبير التي لا تتماشى مع زمننا الرّاهن. صديقي القارئ، ستكتشف بأنّ القصّة من أوّلها إلى آخرها مفعمة بالحبّ و الأمل و الحياة.
دخل فيكتور هيجو الغرفة 17، ففتح شادي نوّار عينيه ليجد شيخا في الثّمانين من عمره، أبيض الشّعر، عميق النّظر. و اقترب من شادي مبتسما و قال:
أهلا شادي، أنا فكتور هيجو، و قد جئت من أجل مواساتك.
شكرا سيّد هيجو، كنت بصدد قراءة روايتك الجميلة " البؤساء" ، و قد هوّنت عليّ آلامي النّفسيّة.
سوف تجد حلاّ طالما رافقتك الهواجس.
الهواجس أتعبتني و أرهقتني.
إنّ الهواجس لا تتملّك إلاّ المثقّفين الصّادقين.
و ماذا فعلت لي الثّقافة و البؤس يحاصرني من كلّ ناحية !
لا تقل ذلك، فثقافتك هي وحدها القادرة على إخراجك من المأزق الذي أنت فيه.
إنّها مآزق تحيط بنا من كلّ جانب.
لقد تحصّلتم على الحرّية و ذلك هو أهمّ شيء، ما تبقّى سيتكفّل به التّاريخ، يمكنك استخلاص العبر من الثّورة الفرنسيّة.
ما يعجبني في الأدباء هو ذلك الأمل المنبعث من صدورهم و المرسوم بأقلامهم رغم المتاعب و الآلام المحيطة بهم و بالنّاس.
دور المثقّف هو بثّ الأمل في النّفوس، و دعوة النّاس إلى التخلّص من قيودهم المعشّشة في رؤوسهم.
لقد تحرّرنا من النّظام الدّكتاتوري، إلاّ أنّ عقولنا لازالت سجينة الماضي و ما توارثناه من عقائد و أفكار بالية.
إنّ تحرير العقول ليس بالأمر الهيّن و يتطلّب زمنا طويلا من العمل الشّاق الدّؤوب...فإيّاك يا شادي أن تفقد الأمل في ذاتك و في الآخرين و تسلّح بالثّقة و الصّبر، و ستتحقّق أحلامك.
نهض شادي عند السّحر و قد أيقن أنّه كان في حلم جميل ، فأشعل سيجارة مسترجعا الحوار الذي دار بينه و بين فكتور هيجو. و قد قرّر مواصلة قراءة رواية " البؤساء" إلى أن يزورهالنّوم مرّة أخرى، فيفوز بحلم آخر جميل...بعد دقائق سقطت الرواية من يده دون أن يشعر.
Language | Status |
---|---|
Chinese
|
Unavailable for translation.
|
English
|
Already translated.
Translated by Souhail Akayour
|
French
|
Unavailable for translation.
|
German
|
Unavailable for translation.
|
Hindi
|
Unavailable for translation.
|
Italian
|
Unavailable for translation.
|
Japanese
|
Unavailable for translation.
|
Russian
|
Unavailable for translation.
|
Spanish
|
Unavailable for translation.
|
Turkish
|
Unavailable for translation.
|